الجمعة، 8 مارس 2013

مذكرات أميرة عربية من زنجبار..! ( ج ـ1 )...




((سالمة بنت سلطان البوسعيدي)) هذا هو أسمها
اما صفتها فهي ابنت سلطان عُمان و
زنجبار
او(بر الزنج) كما كان العرب الاوائل يطلقون
عليها.وحيث كانت فترة حكم ابيها السلطان سعيد
تعتبر الفترة الذهبيه لنهضة
زنجبار!
ولدت سالمة فيي
زنجبار عام 1844 ،لأم شركسية
اسمها (كلفدان) من جواري السلطان سعيد،
في بداية العشرينات من حياتها أحبت سالمة تاجرآ
ألمانيآ وهربت معه الى (المانيا)حيث عاشت هناك،
أنجبت منه ثلاثة أبناء ..وغيرت اسمها الى (أميلي روث)
وكذلك معتقدها الديني.توفى زوجها بعد ثلاثة سنوات
من زواجهما وذلك في حادث عرضي عام 1870.



عاشت بعد ذلك وحيده في المانيا واوربا مع ابنائها
الثلاثة ..اصدرت مذكراتها عام 1886
باللغة الالمانيه وتُرجمت الى الانكليزيه والفرنسية..
عاشت أواخر حياتهافي بيت عائلة زوج ابنتها
الى ان توفيت سنة 1922 عن عمر ناهز الثمانيين
الان نعود للمذكرات والتي كتبتها سالمة بروحية
شرقية وعربية اسلامية…ولكن بعقل اوربي !
حيث ان المذكرات او السيرة الذاتيه
كتبت ليقرأها ابنائها أصلآ كما تقول كي يتعرفوا
على الجانب المجهول من حياتها عندما كانت
تعيش تحت ظل والدها واشقائها في زنجار.
ان مجمل هذه المذكرات مكتوبة بالاساس
للقاريء الاوربي المأخوذ بسحر الشرق
وعاداته وتقاليده الاصيلة ومعتقداته الاسلامية
حيث انها كانت في معظم الفصول تعرج لتلك
القيم بلغه جميله وسلسة، متنقلة بنا مثل النحلة
في جولة رائعه في المكان والزمان،واصفتآ الحياة
في قصر ابيها والقصور الاخرى وأرائها بما
يجري وكأنها كاميرا فوتغرافية تلتقط صورآ
للواقع بكل تفاصيله وزخرفته وأنفاس ساكنيه
من خدم وساده،من اشقاء وشقيقات…وكذلك
تصف الاحداث الصغيرة والكبيرة والتي مرت
بها أبان أيام عيشها هناك وقبل ان ترحل الى
أوربا.
تبدأ سالمة مذكراتها بوصف جميل لقصر ابيها
حيث عاشت طفولتها وترعرعت هناك فتقول



((في بيت الموتني أقدم قصور ابي في جزيرة
زنجبار
خرجت الى هذه الدنيا،واكتحلت عيناي بنورها
لأول مرة.وفيه عشت اسعد ايام طفولتي وأجملها
حتى بلغت السابعة من عمري.ويبعد هذا القصر
زهاء خمسة أميال عن مدينة
زنجبار،ويقع في
مكان ساحرعلى شاطيء البحر،ويقوم
بناؤه وسط ساحة واسعة الارجاء بعيدة الأطراف،
تنبسط بعدها حدائق غناء تزدهرفيها أجمل
الورود رونقآ وابهاها الوانآ،ثم تحيط بها
بساتين كثيفة متشابكة ترتفع فيها سامقة شاهقة
أشجارالنخيل والمانجو والنارجيل….وغيرها من
الأشجار الاستوائيه الضخمة العود الفارعة الطول))
وتسترسل بالوصف حيث تقول((وقد أخذ هذا القصر
اسمه من نهر الموتني، وهو نهر صغير ينبع في مكان
غير بعيد عن القصر،ثم يجري نحوه ويخترق بساتينه،
ثم ما يلبث ان يتفرع داخلها الى جداول صغيرة
متعددة، تنساب صافية رقراقة الى مختلف
الاتجاهات تحت ظلال الاشجار الكثيفة
الشاهقة أو في مروج الحديقة التي طرزتها الورود
والازهار بمختلف الالوان ، ثم تنتهي مياهه جميعها
لتصب في ذلك الخضم الازرق الهاديء الجميل
الذي يفصل
زنجبار عن القارة الافريقية..))
وتضيف سالمة بوصف تفصيلي وجميل لموضع
الاستحمام والحمامات وتقول(( ويتكون هذا
الجناح من أكثر من أثنتي عشرة غرفة تصطف
منفردة متجاورة في طرف بعيد من ساحة
القصر حتى اننا لبعدها كنا نضطر الى إستعمال
المظلات إذا مارغبنا في التنعم بمتعة الاستحمام
في الايام المطيرة، وكان ماكنا نسميه(الحمام الفارسي))
وهو في الحقيقة حمام تركي!.في معزل عن البقيه
وكان في الواقع هو الحمام الوحيد من نوعه
في
زنجبارمن حيث الهندسة والبنيان.))
كم تصف لنا مرتادوا هذه الحمامات بلغه جميلة
((وكان هذا المستحم مراح القوم ومغداهم ،
لاتنقطع عنه وفود الرائحين والغادين منذ الساعة
الرابعة صباحآحتى منتصف الليل، فيقصده كل فرد
من سكان القصر، ومنهم من اعتادوا أن يقضوا فيه
الساعات الطوال في اللهو والنوم والمرح،فمنه يصرّفون
أعمالهم ،وفيه يؤدون صلواتهم ويقومون بما
يترتب عليهم من واجبات الكتابة أو القراءه
ويتناولون أثناء ذلك كله ما تيسر من الطعام
والشراب))
وتضيف سالمة كيف إنهم يمارسون بعض الهوايات
الملكية منذ الصغر داخل قصر ابيها السلطان،
وتقول في هذا السياق(( وكان لنا نحن الاطفال الذين
جاوزنا الخامسة من أعمارنا درسان في ركوب الخيل
كل يوم ، أولهما في الصباح الباكر وثانيهما في المساء
وكنا نمارس هذه الرياضة المحببه لنا برفقة أحد الخدم
وفي هذه الساحة نفسها)).وتضيف فتقول((وكان اذا مابرّز
أحدنا في هذه الرياضة منحه أبونا السلطان مطيآ
خاصآبه،وكان للبنين منا حق اختيار إحدى الخيول
العربية العتاق ،وكانت البنت تمنح بغلآ عمانيآ
مزركشآ بالزينة الغالية ومثقلآ سرجه بالحلي النفيس))
ومما نلاحظه اعلاه انه لم تكن هناك تفرقه بين البنين
والبنات في تلك الفترة! على عكس ما كان يشاع
من قبل الغرب بوجودها!!.وتكمل صاحبة المذكرات
وصفها لاجزاء اخرى من القصر فتقول بأسلوب
جميل((ومن المظاهر المتميزة في بيت الموتني كثرة
السلالم وغرابة تصميمها، فأما عن كثرتها فحدث
ولاحرج، وقد نجد تبريرآ لذلك في سعة القصر
وتعدد أجنحته، أما وجه الغرابة فيها فهو علوها
غير المتناهي وانتصابها الشاقولي المخيف،…حتى
ليخيل ألي انها بنيت للجن او العمالقة!!))
وتتكلم بشيء من التفصيل عن ساكني القصر
وتضيف(( لم يكن علم الاحصاء معروفآ في
زنجبار،
لذلك لا أحد يعرف باالضبط عدد السكان في بيت

الموتني، ولكن اذاكان لي ان أجازف بتقدير هذا
العدد فما اظنني مبالغة أبدآ إذا ما قدّرت عددهم
بألف نسمة على الاقل، وليس هذا فحسب فأن
بيت الساحل(قصر أبي في المدينة) كان في الواقع
أكثر أزدحامآ من بيت الموتني)).



وتضيف سالمة بتفصيل اكثر فتقول(( وكان من
عادة أبي أن يقضي في البيت الاول ثلاثة أيام
من كل أسبوع، ويقضي الأربعة الباقية عندنا في
بيت الموتني، حيث كان يحتل فيه الأجنحة الكبرى
المطلة على البحر، وتشاركه سكناها زوجته الشرعية
الوحيدة!!، وهي أحدى قريباته البعيدات)) وتضيف
((كان أبي سعيد يحمل لقبي إمام مسقط وسلطان
زنجبار، والإمامة لقب ديني لا يمنح للسلاطين،
لكننا ورثناه عن جدي الاكبر الإمام أحمد، وظل
اللقب وراثيآ في اسرتنا يحق لكل ابن من أبنائها أن
يلحقه بأسمه!!)) ثم تصف سالمة والدها وصفاته وصفآ
لايخلو من الحب والاعجاب(( لاني كنت أصغر أطفاله
فلم تتسنَ لي رؤيته إلا في شيخوخته، وعلى هذا
فأني لا أتذكر صورته إلا بلحيته البيضاء الوقور،وكان
طويل القامة ، نحيل القوام، وقور السمت مهيبآ
وكانت تقاسيم وجهه تطفح بالرقة والحنان، ..وقد
كان لنا جميعآ مثلآ أعلى والدآ وأميرآ،وكانت
العدالة مبتغاه والمساوات في المعاملة ديدنه،..ولكم
كنا نشهده ممتطيآ جواده متجهآ الى دار أحد عبيد
ليهنئه واهله بالافراح، او ليواسيهم في الاحزان
وليغدق عليهم الهدايا والعطاء الجزيل)) بعد
ذلك تتطرق الى حياة والدتها(كلفدان) الشركسيه
والتي كانت جاريه من الجواري(سراري)، في قصر
السلطان سعيد (مُلك اليمين)…فتقول واصفتآ
الاحداث (( أمي كانت شركسية بالولاده،
عاشت طفولتها مع ابويها وأختها وأخيها عيشة هادئه
أمنة في إحدى مزارع أبيها، لكن حبل الامن
ما لبث أن اختل، ونشبت الحرب فجأة، وأمتلأ
المكان المغيرين، فالتجأت عائلتها الصغيرة الى
مكان تحت الارض (القبو) ،لكن المغيرين
اكتشفوا المخبأ، واقتحموه وقتلوا الوالدين وتناهبوا
الاطفال الثلاثة الصغار ، ولم تسمع أمي منذ ذلك
الحين شيئآ عن اختها او اخيها!!)) وتصف سالمة
امها بوصف رقيق أقرب الى الملاك الحنون وتعدد
صفاتها الحميدة فتقول (( لم تكن أمي جميلة، ولكنها
كانت طويلة القامة قوية بنيان الجسم، وكانت بيضاء
البشرة ذات عينين سوداوين جميلتين وشعر أسود
ناعم طويل ينسدل حتى ركبتيها، وكانت رقيقة
الطبع ،حلوة الخلق، ذات نفس سمحة طيبة،..
وكثيرآ ما كانت تزور المرضى من سكان قصرنا،
بل وكانت تحرص على تمريض البعض منهم بنفسها))
ثم تردف ((وقد اكسبها طبعها الرضى وسجيتها
السمحة صداقات الكثيرين من سكان القصر
رجالآ ونساء، وهو أمر يندر حدوثه لامرأه في
قصور الحريم العربية!!!!)) وتصف ميول وهوايات
والدتها ((كانت أمي ربة بيت ماهرة، دقيقة في أداء
واجباتها، حسنة الذوق والترتيب، ولها مهارة في أعمال
الابرة والتطريز،لم تكن لها هوايات ثقافية متميزة
غير الدأب المتواصل على قراءة القرأن، وهو
كتابنا السماوي المقدس،وفي الحق اني لم أشهد
طيلة حياتي امرأه أكثر منها تقى وورعآ وايمانآ بالله
وطاعة له)) ثم تتطرق بعد ذلك الى موضوع مهم
وخطير اذ تشير الى وضع زوجته الشرعيه
والى وضع زوجاته الاخريات من السراري
والجواري (مُلك اليمين) حيث الشريعة الاسلاميه
والتي كانت مطبقه هناك،حيث اماطت اللثام عن
الوضع الشرعي لهن ، وتعتبر أرائها هنا شهاده
لما كان يجري!! تقول (( على قدر ما أتذكر، فلم
تكن لابي السلطان طيلة حياته أومنذ مولدي على
الإ زوجة شرعية واحدة، أما الاخريات وقد
ترك منهن عند وفاته خمسآ وسبعين ، فقد
كّن من الجواري والاماء اللواتي كان يشتريهن أو
يتملكهن بين الحين والأخر.. وكان لفظ الزوجات
يطلق عليهن تجاوزآ ومن باب التعميم، ولا يقصد
به على معناه الشرعي الدقيق!!!!!!!.





وكانت زوجته الوحيدة هذه هي(عزه بنت سيف)
من فرع بيتنا المالك في عُمان ..وكان لها الحكم
المطلق والكلمة العليا في بيته.ورغم ضآلة حجمها
وقلة حظهامن الجمال)) ثم تصف حال أشقائها
((وكان بعض كبار إخوتي وأخواتي يسكنون
معنا في بيت الموتني وكان منهم من يكبرني
بأجيال ومنهم من يؤهله عمره أوعمرها لآن
يكون جدي!!؟ أو جدتي!!))
ثم بعد ذلك تطرقت الى رأي الشرق الاسلامي
للبنين والبنات وعدم التفريق بينهما، خلافآ
لما كان يشاع انذاك في الغرب((وخلافآ
للرأي الشائع في هذه البلاد فلم يكن في
بلادنا تفضيل للبنين على البنات ،ولا اذكر
انني شهدت في حياتي أمآ أو أبآ فضّل أبنآ له على
بناته لمجرد كونه ذكرآ.فهذا الوهم الشائع
في الغرب لا اساس له البتة.))
اخواني ارجو ان لا اكون قد اثقلت عليكم
في سرد بعض مما قالته سالمه بنت سعيد
في مذكراتها….وسوف نكمل بقية الادراج في
جزء ثاني به الكثير من المفاجأة أنشاء الله





تحياتي




اخيكم……….البحر


هناك 6 تعليقات:

  1. السلام عليكم
    تحياتي
    شكرا لجهدك القيم لإ يصال المذكرات للقارئ بكل سهولة
    وبكبسة زر .

    دمت بخير دوما بحر العلوم الزاخر

    ردحذف
    الردود
    1. اشكر مرورك الدائم على المدونة ومتابعتك للادراجات....مني كل التحايا معطرة بالياسمين...
      .....اخيك

      حذف
  2. اجمل ما في هذه المذكرات انها تلقي الضوء على فترة زمنية لا نعرفها
    تقبل تحياتي وتقديري

    ردحذف
    الردود
    1. اختنا الكاتبة الرائعة احلام ....نعم انها تلقي الضوء على فترة منسية من تاريخ المنطقة العربية
      وكما هو الاندلس الذي ضاع منا.......ودي لكم ....اخيك

      حذف
  3. الاخ الغالى بحر العلوم
    أستمتعت بقراءة الجزء الاول من هذا السرد التاريخى الرائع
    تحياتى لكم وفى انتظار الاجزاء الباقية
    وتحياتى لكم

    ردحذف
    الردود
    1. نشكرك الاخ الكاتب الساخر المميز جدآ...وانا سعيد بانكم اطلعتم على الادراج التاريخي الذاتي لسالمة بنت سعيد...وانشاء الله قريب.......اخيك

      حذف